السبت، 5 مارس 2016

الدين ليس بالعقل


صفات الله كلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه

الفصـل الثـاني 
قواعد في صفات الله تعالى

القاعدة الأولى: 
      
              صفات الله 
كلها صفات كمال لا نقص فيها
          بوجه من الوجوه 

[ المتن ] 
قال المؤلف رحمه الله 

صفات الله تعالى كلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه كالحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والرحمة، والعزة، والحكمة، والعلو، والعظمة، وغير ذلك. وقد دل على هذا: السمع والعقل والفطرة.
أما السمع: فمنه قوله تعالى: { للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم } 
والمثل الأعلى: هو الوصف الأعلى.

[ الشرح ] 
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى 

دليل السمع على أن الله ( تعالى ) 
موصوف بصفات الكمال قوله ( تعالى ) : 
( لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ ) يعني : مثل النقض والعيب 
( والله المثل الأعلى ) ولم يقل : ولله مثل الكمال ، بل قال:(المثل الأعلى)
يعني : الذي لا شيء فوقه ، والمثل بمعنى الوصف الأعلى ، فكل صفة اتصف الله بها فهي أعلى ما تكون من صفات الكمال . 

[ المتن ] 
قال المؤلف رحمه الله 

وأما العقل: فوجهه أن كل موجود حقيقة فلا بد أن تكون له صفة إما صفة كمال وإما صفة نقص، والثاني باطل بالنسبة إلى الرب الكامل المستحق للعبادة، ولهذا أظهر الله تعالى بطلان ألوهية الأصنام باتصافها بالنقص والعجز، فقال تعالى: 
{ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون} ، 
وقال تعالى: 
{والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون} ، 
وقال عن إبراهيم وهو يحتج على أبيه: {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا} ، وعلى قومه:
 {أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون} .

ثم إنه قد ثبت بالحس والمشاهدة: أن للمخلوق صفات كمال، وهى من الله تعالى، فمعطي الكمال أولى به.

[ الشرح ] 

فإذا قال لنا قائل : ما هو دليكم على أن الله متصف الكمال ؟ 

قلنا : كل موجود حقيقة لا بد له من صفة ، فإما أن تكون صفة كمال ، 
وإما أن تكون صفة نقص ، أما صفات النقص ، فهي مستحلية في حق الله ( عز وجل ) ، 
وأما صفات الكمال ، فهي واجبة لله ، فوجب أن يكون الله موصوفاً بصفات الكمال ؛ لأنه منزه عن صفات النقص . 

فإن قيل : هذا الحصر غير صواب؛ 
لأن الموجود قد يكون موصوفًا بصفات الكمال ،أو صفات النقص،
أو بصفة لا نقص فيها ولا كمال . 

قلنا : هذا القسم الأخير غير صحيح ؛ لأن الصفّة التي لا كمال فيها ، ولا نقص هي الحقيقة : نقص؛ لأنها لغو وعبث ، فالكمال أن يكون الإنسان متصفًا بالصفات النافعة المفيدة ، وما لا نفع فيه ولا ضرر ، فهو داخل في صفات النقص ؛ ولهذا قال النبي ﷺ
- حاثًا على تكميل الإيمان :
( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛
  فليقل خيرًا أو ليصمت ) 

والدليل الثاني من العقل : 
أن نقول : نحن نشاهد في المخلوق صفات كمال ، والذي أعطاء هذا الكمال هو : الله ( تعالى ) ، فمعطي الكمال ؛ أولى بالكمال ، ومن كماله أنه أعطى الكمال ، فهذا 
- ايظًا - دليل عقلي على ثبوت صفات الكمال لله ( عز وجل )؛ 
ولهذا استدل الله ( عز وجل ) على بطلان ألوهية الأصنام ؛ لأنها ناقصة ، فقال ( سبحانه وتعالى ):
( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون)(الاحقاف) 
وقال تعالى ( تعالى ) : 
( يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا )(مريم )
وقال محاجًا لقومه : 
( قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم ( *)
أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون ) ( الانبياء ) 
فتبين بهذا : أن الرب لا بد أن يكون كامل الصفات ، وإلا لم يصح أن يكون ربًا . 
 

[المتن ]
قال المؤلف ( رحمه الله ) 

وأما الفطرة: 
فلأن النفوس السليمة مجبولة مفطورة على محبة الله وتعظيمه، وهل تحب وتعظم وتعبد إلا من علمت أنه متصف بصفات الكمال اللائقة بربوبيته وألوهيته؟

[ الشرح ] 
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله 
     في شرح القواعد المثلى 
           ص( ١٠٤) 

أي : أن الفطرة السليمة أو النفوس المجبولة على الفطرة السليمة تحب الله ، وتعظمه؛ لكماله ، إذ إن المجهول لا يحب ولا يُعظم ، ومن علم نقصه ؛ لا يُحَب ولا يُعظم ،
فالفطرة ( التي هي : محبة الله وتعظيمه ) مبنية على أصل ، 
وهو : علم الإنسان فطريًا بكمال صفات من يعبده (سبحانه وتعالى)
.

[ المتن ] 
قال المؤلف ( رحمه الله ) 
وإذا كانت الصفة نقصا لا كمال فيها فهي ممتنعة في حق الله تعالى، كالموت، والجهل، والنسيان، والعجز، والعمى، والصمم، ونحوها، لقوله تعالى:
 {وتوكل على الحي الذي لا يموت}، 
وقوله عن موسى
 {في كتاب لا يضل ربي ولا   
  ينسى}، 
وقوله: {وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض}، 
وقوله: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} . 
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الدجال: "إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور"، وقال: "أيها الناس، اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا".

[ الشرح ] 
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله 
      في شرح القواعد المثلى 

فقوله عن موسى :
{في كتاب لا يضل ربي ولا   
  ينسى}،
نفي الجهل والنسيان ، وقوله : 
{أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} .  نفي الصمم ، 
وقوله: {وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض}، نفي العجز . 
وقوله النبي صلى الله عليه وسلم 
( إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور) ، 
هذا نفي العمى . 

[ المتن ] 
قال المؤلف رحمه الله 

وقد عاقب الله تعالى الواصفين له بالنقص، كما في قوله تعالى: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} ، وقوله: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق} .
ونزه نفسه عما يصفون به من النقائص، 
فقال سبحانه:
 {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين} ، 

وقال تعالى: 
{ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون} .
وإذا كانت الصفة كمالا في حال، ونقصا في حال لم تكن جائزة في حق الله، ولا ممتنعة على سبيل الإطلاق، فلا تثبت له إثباتا مطلقا، ولا تنفى عنه نفيا مطلقا، بل لا بد من التفصيل، فتجوز في الحال التي تكون كمالا، وتمتنع في الحال التي تكون نقصا، وذلك كالمكر، والكيد، والخداع، ونحوها، فهذه الصفات تكون كمالا إذا كانت في مقابلة من يعاملون الفاعل بمثلها، لأنها حينئذ تدل على أن فاعلها قادر على مقابلة عدوه بمثل فعله، أو أشد، وتكون نقصا في غير هذه الحال، ولهذا لم يذكرها الله تعالى من صفاته على سبيل الإطلاق، وإنما ذكرها في مقابلة من يعاملونه ورسله بمثلها، 
كقوله تعالى: {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين}
 وقوله: {إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا} ، 
وقوله: {والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين} 
وقوله: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم} 
وقوله: {قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم} .
ولهذا لم يذكر الله أنه خان من خانوه، 
فقال تعالى: {وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم} 
فقال: فأمكن منهم، ولم يقل: فخانهم. لأن الخيانة خدعة في مقام الائتمان، وهى صفة ذم مطلقا.
وبذا عرف أن قول بعض العوام: خان الله من يخون. منكر فاحش يجب النهي عنه 

[ الشرح ] 
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله 
     في شرح القواعد المثلى 
             ص ( ١٠٧) 

بعض الناس يقول :
 ( خان الله من يخون ) أو
 ( يخونني الله إن خنتك )! 
وهذا لا يجوز؛ لأن الخيانة خدعة في مقام الائتمان، والخيانة صفة ذم . 
وقد سبق لنا في القاعدة الأولى
أن صفات الله ( تعالى ) كلها صفات كمال، 
وأن الصفات من حيث هي صفات : منها صفات كمال على الإطلاق ، ومنها صفات نقص على الإطلاق، ومنها ما يكون نقصًا في حال وكمالاً في حال . 
فالذي هو كمال على الإطلاق ؛ ثابت لله ( عز وجل ) .
والذي هو نقص على الإطلاق ؛ يمتنع على الله ( عز وجل ).
والذي هو كمال في حال ، دون حال ، يوصف به في حال الكمال ، دون حال النقص ، فهذه قاعدة عامة . 
وليس كل كمال في المخلوق كمالاً في الله ، وليس كل كمال في الله كمالاً في المخلوق ،
 فمثلاً التكبر ، صفة كمال في الله ، 
وفي المخلوق صفة نقص ، والأكل والشرب والنكاح صفة كمال للإنسان ، وصفة نقص بالنسبة لله ؛ ولهذا ينزَّ الله عنها ، فالكمال المطلق غير النسبي ثابت لله على الاطلاق ، والنقص المطلق ينزه الله عنه.

للاشتراك في قناة الفوائد من كتب السلف 
الضغط على هذا الرابط 
https://telegram.me/hussinnalii
او
الاشتراك في الصفحة الفوائد من كتب السلف على الفيس 
https://www.facebook.com/alfuad1437/
او 

الذهاب الى المدونة الفوائد من كتب السلف 
http://foad-alslf.blogspot.com/?